عندما تذهب زوجته للنوم، يتسمر هو أمام شاشة الحاسوب لمشاهدة الأفلام الجنسية. ولا يعتقد انه يخونها، ولا يظن أنه مدمن على هذه المواقع، ولكنهما فقدا حياتهما الجنسية المشتركة. بينما تشعر هي بأنها فقدت هيبتها وكرامتها أمام بطلات الأفلام الإباحية الإدمان على المواقع الإباحية، يدمر الزواج
-->
ليس من الخطأ تصديق جملة بيل غيتس عندما قال إن الإنترنت قد حوّل العالم كله إلى قرية صغيرة واحدة. وإذا كان يجب علينا سابقا قراءة مئات الصفحات في عشرات الكتب والموسوعات من أجل الإجابة على بضع أسئلة، فقد بات الحل اليوم كامنا ببضع ضغطات على زر (أو على طريقة "نسخ" و"لصق").
الحقيقة أن هذا الأمر لا بد أن يثير حسدنا لتلاميذ اليوم الذين باتت حياتهم أسهل، ويثير قلق الأهل من سهولة الحصول على كل معلومة في الإنترنت، بما فيها المعلومات الخاطئة عن الجنس والعلاقات الحميمة.
لا يقتصر خطر الإنترنت على حصول أبنائنا على المعلومات الخاطئة بطريقة سيئة فقط، بل يتعداه إلى حالة قد تصل حد الإدمان على هذه الموافع الإباحية. هذا الإدمان سيشكل ضررا حتميا على علاقات هؤلاء المدمنين بأزواجهم.
هذا في الحقيقة اختصار لحكاية شابة في الثلاثين، دخلت قبل بضعة أسابيع لعيادة الطبيب باكية، شاكية من أن زوجها لم يعد يلتفت إليها، وبالكاد يمارس الجنس معها مؤخرا، رغم كونهما في عمر الشباب. والحقيقة أن تلك الشابة التي تعمل مدرّسة لا تشكوا من أي خلل في مظهرها كما قال الطبيب، بل إنه سمح لنفسه بأن يصفها بالجميلة.
عندما سأل الطبيب تلك السيدة الشابة عن سبب هذه الحال، أجابته بأنها بدأت تلاحظ أن زوجها الشاب يمضي الساعات الطوال أمام شاشة الحاسوب متابعا للأفلام الإباحية الجنسية، بل إنها تلاحظ في بعض الليالي أن زوجها يمارس العادة السرية في غرفة المكتب خلال مشاهدته لهذه المواقع التي باتت متوفرة بكثرة تفوق الحد. هذه المواقع تزرع في ذهن متابعها صورة مختلفة عما يجب أن يبدو عليه المرأة، الأمر الذي سبب في حالة هذه السيدة، ابتعاد زوجها عنها اعتقادا منه بأنها ليست مغرية بما يكفي، أو على الأقل ليس بنفس قدر الإغراء الذي تتمتع به نجمات تلك الأفلام.
هي تعرف أن زوجها مدمن على هذه المواقع، وإن كان ينكر بشدّة. وعندما تسأله عن الأمر يقول إنه يدخل هذه المواقع في أوقات متباعدة، عندما يكون متوترا وبحاجة للاسترخاء.
لقد أصبح دخله من المصلحة التي يديرها أقل مما كان عليه سابقا، إذ أصبح يخرج لعمله متأخرا، ويعود من العمل متأخرا أيضا. ولا حاجة لإساءة الظن به، فهو لا يخون زوجته مع أخريات، إنه "يخونها" مع نجمات الأفلام الإباحية فقط. وعندما يعود للبيت، سرعان ما يلتصق بشاشة الحاسوب، إذا اقتربت زوجته منه، ينتقل لشاشة أخرى، غير أنها في أكثر من مناسبة "أمسكته بالجرم المشهود".
لقد باءت كل محاولاتها لاستعادة زوجها بالفشل الذريع، لم تساعدها أي من جلسات الحديث معه، ولا توسلها له، بل إنها ذهبت لأبعد من ذلك بكثير عندما بدأت تلبس وتتصرف بإغراء شديد، تشبها بهؤلاء اللاتي يراهن في المواقع الجنسية، ولم تفلح. ويوما بعد يوم بدأ شعورها بالإهانة يتنامى، فعرضت عليه أن يتوجها إلى العلاج لدى المختصين، إلا إنه رفض. باختصار كل ما أراده هو أن يكون مع فتيات تلك المواقع، ولم تعد السيدة الجميلة الساكنة في بيته تثير اهتمامه أو رغبته!!!
في محاولة لفهم الأمور بشكل أعمق، سأل الطبيب السيدة المشتكية إذا كان زوجها قد أظهر مؤخرا أية علامات لأنواع أخرى من الإدمان، فقالت إنه في فترة سابقة كان يمارس الرياضة الصعبة بكثرة، وقبل ذلك كان قد بدأ يدخن بشكل مبالغ فيه. بل أن بعض الفترات اتسمت بكثرة تناوله للطعام بشراهة أو الانتقال إلى النقيض بحيث يمتنع عن تناول الطعام بشكل كامل.
وعندما بدأت بالحديث عن تعارفهما قالت إنه كان شابا من عائلة فقيرة، لم يتعلم جامعيا، بينما كانت هي من عائلة ميسورة وطالبة متفوقة في دراستها الجامعية. جذبها لأنه أعطاها الكثير من الحنان والحب اللذين كانت تفتقدهما في حياتها مع عائلتها "الارستقراطية". وتروي أنها تشتاق إلى تلك الأيام، حيث كان يهتم بها، يعطف عليها ويعطيها الكثير من الدفئ، وتفتقد بشكل خاص علاقتهما الحميمة وممارسة الجنس معه كما كانت في بدايات زواجهما.
قد يكون من المستحيل أن يرجع الزوجان إلى سابق عهدهما، خصوصا ما لم يعترف الرجل بأن لديه مشكلة. وقد يضطرا للانفصال في مرحلة ما إذا لم يتغير نمط حياته. ففي النهاية، عليها أن تفكر مليا بما تريد أن يكون لها في حياتها، عليها أن تفكر بنفسها وليس بمخاوفها من العائلة والمجتمع في حال انفصالها. وإن كانت تعتقد أنها لم تعد جذابة، ولو ظنت أن عدم جاذبيتها هو السبب الحقيقي وراء ابتعاد زوجها عنها، وقد يكون سببا وراء عدم قدرتها على الارتباط بغيره بشكل ناجح لاحقا، غير أن المشكلة ليست بها، إنما بزوجها. وليست هذه الأفكار التي تراودها أكثر مخاوف تشكل عائقا أساسيا أمام تفكيرها بشكل منطقي سليم يؤدي بها إلى بر الأمان.
عندما سألها الطبيب عن الأشياء التي من الممكن أن يخسرها زوجها في حال انفصالها، قالت دون تردد: "الشقة التي نسكنها، لأنها ملك أهلي، وسيخسر أيضا الدعم المادي الذي يحظى به منهم". فسألها الطبيب إن كان لديه شيء آخر يخسره، فقالت "لا"... وأنت؟ ألن يخسرك؟
لم تكن السيدة تعتقد أنها تساوي شيئا من الممكن أن يخسره زوجها، وهذا بحد ذاته مشكلة، بالإضافة إلى المشكلة الأساسية، وهي إدمان الزوج على المواقع الإباحية.
كان على السيدة أن تقرر بحزم حول ما يجب أن يحصل في حال استمر زوجها برفض العلاج. كان عليها أن توضح له بأنها غير مستعدة للاستمرار بهذه الوضعية، قد يقنعه هذا التحدي بقبول فكرة العلاج، لكن هذا لا يمنع أن المشكلة الأخرى، الكامنة بعدم تقدير هذه السيدة لنفسها، تحتاج لعلاج أيضا.
في البداية لم يقتنع الزوج بضرورة العلاج وقال إن كل ما يدور في رأسها هو في رأسها فقط. لاحقا حاول أن يلقي باللائمة عليها محملا إياها مسؤولية إدمانه، لأنها "لا تعرف كيف تستمتع بالجنس" كما قال. وعندما استفسرت عمّا يجده زوجها في هذه المواقع وليس لديها، أجاب الطبيب بأن هذه المواقع توفر المتعة الجنسية دون عناء، دون أي التزام أخلاقي أو عاطفي, في هذه المواقع يمكنه أن يشعر بالقوة والعظمة، فهو لا يحتاج هناك لان يجتهد من أجل إمتاع الطرف الآخر، هناك يحصل على المتعة دون الحاجة لأن يعطيها للآخرين.
بعد عدة جلسات علاجية مع الزوجة، بدأت حياتها تتغير لأنها اقتنعت بضرورة أن تبدأ بالاهتمام بنفسها. غيرت مجال عملها لأنها اكتشفت أنها لم تكن تحب مهنتها السابقة، وشيئا فشيئا باتت تحترم ذاتها وتعشق جسدها. فهمت أن ليس بإمكان كل السيدات أن يبدون كعارضات الأزياء أو النجمات، وأن عليها أن تتعايش بما لديها، والحقيقة أنه كان لديها الكثير.
بدأت بالابتعاد تدريجيا عن زوجها الذي كان يبتعد هو الآخر بشكل تدريجي عن إدمانه في أعقاب إدخاله لمؤسسة خاصة بعلاج الإدمان. لاحقا قررت السيدة الانفصال عن زوجها، لأنها اكتشفت أن القاسم المشترك بينها وبين زوجها لم يعد قائما. فقد باتت تحترم ذاتها أكثر، وأصبحت متأكدة من أنها تستحق أكثر مما أعطتها هذه الحياة حتى اليوم.
لقد جلب عصر الإنترنت ممارسات جنسية من نمط الـ "تيك أواي" (Take Away). فصار الجنس متوفرا بكثرة، بسرعة ودون الحاجة لأدنى جهد أو عواطف. هناك (في الإنترنت) يستطيع المرء أن يجد أي امرأة، من أي لون أو عرق، وبمواصفات غير حقيقة في كثير من الأحيان. ولكن حذار من الخطأ، ليست المشكلة في ارتياد هذه المواقع بقدر ما هي في أن الإنترنت بات يسيطر على مجمل مجالات الحياة بشكل يهمش كل الأشياء الأخرى التقليدية والمعروفة.